Pages

TvQuran TvQuran

Thursday, May 16, 2013

ما هو معنى البدعة ؟ وكيف تعامل علماء الأمـة مع البدعة ؟ وما هو الفهم الصحيح لقضية البدعة ؟ 




لمعرفة معنى البدعة ومفهومها الصحيح، لابد أن نتعرف على معناها في اللغة، وكذلك معناها في الاصطلاح الشرعي، ونبدأ بالمعنى اللغوي.

البدعة في اللغة :
هي الـحَدَث وما ابْتُدِعَ من الدِّين بعد الإِكمال. ابن السكيت: البِدْعةُ كلُّ مُـحْدَثةٍ. وأَكثر ما يستعمل الـمُبْتَدِعُ عُرْفاً فـي الذمِّ. وقال أَبو عَدْنان: الـمبتَدِع الذي يأْتـي أَمْرًا علـى شبه لـم يكن ابتدأَه إِياه. وفلان بِدْعٌ فـي هذا الأَمر أَي أَوّل لـم يَسْبِقْه أَحد. ويقال: ما هو منّـي ببِدْعٍ و بَديعٍ... وأَبْدَعَ وابْتَدعَ وتَبَدَّع : أَتَـى بِبدْعةٍ، قال الله تعالـى: ورَهْبانِـيَّةً ابْتَدَعوها ... وبَدَّعه: نسَبه إِلـى البِدْعةِ. واسْتَبْدَعَه: عدَّه بَديعًا. والبَدِيعُ: الـمُـحْدَثُ العَجيب. والبَدِيعُ: و الـمُبْدِعُ. و أَبدعْتُ الشيء: اخْتَرَعْتُه لا علـى مِثال(لسان العرب، مادة (بدع)).
البدعة في الشرع :

هناك مسلكان للعلماء في تعريف البدعة في الشرع؛ المسلك الأول : وهو مسلك العز ابن عبد السلام؛ حيث اعتبر أن ما لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم بدعة وقسمها إلى أحكام حيث قال : «فعل ما لم يعهد في عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهي منقسمة إلى : بدعة واجبة, وبدعة محرمة, وبدعة مندوبة, وبدعة مكروهة, وبدعة مباحة, والطريق في معرفة ذلك أن تعرض البدعة على قواعد الشريعة : فإن دخلت في قواعد الإيجاب فهي واجبة, وإن دخلت في قواعد التحريم فهي محرمة, وإن دخلت في قواعد المندوب فهي مندوبة, وإن دخلت في قواعد المكروه فهي مكروهة, وإن دخلت في قواعد المباح فهي مباحة»( قواعد الأحكام في مصالح الآنام).
وأكد النووي على هذا المعنى؛ حيث قال : «وكل ما لم يكن في زمنه يسمى بدعة، لكن منها : ما يكون حسنا، ومنها : ما يكون بخلاف ذلك»( فتح الباري).

والمسلك الثاني : جعل مفهوم البدعة في الشرع أخص منه في اللغة، فجعل البدعة هي المذمومة فقط، ولم يسم البدع الواجبة، والمندوبة، والمباحة، والمكروهة بدعًا كما فعل العز؛ وإنما اقتصر مفهوم البدعة عنده على المحرمة، وممن ذهب إلى ذلك ابن رجب الحنبلي - رحمه الله - ويوضح هذا المعنى فيقول « والمراد بالبدعة : ما أحدث مما ليس له أصل في الشريعة يدل عليه، وأما ما كان له أصل في الشرع يدل عليه فليس ببدعة، وإن كان بدعة لغة »( جامع العلوم والحكم).
وفي الحقيقة فإن المسلكين اتفقا على حقيقة مفهوم البدعة، وإنما الاختلاف في المدخل للوصول إلى هذا المفهوم المتفق عليه وهو أن البدعة المذمومة التي يأثم فاعلها هي التي ليس لها أصل في الشريعة يدل عليها وهي المرادة من قوله صلى الله عليه وسلم : «كل بدعة ضلالة»( أخرجه أحمد ، ومسلم).

وكان على هذا الفهم الواضح الصريح أئمة الفقهاء وعلماء الأمة المتبوعين، فهذا الإمام الشافعي رضى الله عنه فقد روى البيهقي عنه أنه قال : « المحدثات من الأمور ضربان، أحدهما : ما أحدث مما يخالف كتابًا، أو سنة، أو أثرًا، أو إجماعًا فهذه بدعة الضلالة، والثاني : ما أحدث من الخير لا خلاف فيه لواحد من هذا فهذه محدثة غير مذمومة»( رواه البيهقي بإسناده في كتاب " مناقب الشافعي " ، ورواه أيضا أبو نعيم في الحلية).

وقال حجة الإسلام أبو 
حامد الغزالي رضى الله عنه : « ليس كل ما أبدع منهيا عنه، بل المنهي عنه بدعة تضاد سنة ثابتة، وترفع أمرا من الشرع »( الإحياء).
وقد نقل الإمام النووي ـ رحمه الله ـ عن سلطان العلماء الإمام عز الدين ابن عبد السلام ـ حيث قال النووي : « قال الشيخ الإمام المجمع على جلالته وتمكنه من أنواع العلوم وبراعته، أبو محمد عبد العزيز بن عبد السلام - رحمه الله ورضي عنه - في آخر كتاب القواعد: «البدعة منقسمة إلى واجبة ومحرمة ومندوبة ومباحة ... إلخ»( تهذيب الأسماء واللغات) وقال كذلك في مكان آخر في حديثه عن المصافحة عقب الصلاة: واعلم أن هذه المصافحة مستحبة عند كل لقاء, وأما ما اعتاده الناس من المصافحة بعد صلاتي الصبح والعصر، فلا أصل له في الشرع على هذا الوجه, ولكن لا بأس به, فإن أصل المصافحة سنة, وكونهم حافظوا عليها في بعض الأحوال، وفرطوا فيها في كثير من الأحوال أو أكثرها لا يخرج ذلك البعض عن كونه من المصافحة التي ورد الشرع بأصلها»( الأذكار).

وقال ابن الأثير « البدعة بدعتان : بدعة هدى وبدعة ضلال، فما كان في خلاف ما أمر الله به رسوله صلى الله عليه وسلم فهو في حيز الذم والإنكار، وما كان واقعا تحت عموم ما ندب إليه وحض عليه فهو في حيز المدح .. ثم قال : « والبدعة الحسنة في الحقيقة سنة، وعلى هذا التأويل يحمل حديث : " كل محدثة بدعة " على ما خالف أصول الشريعة، ولم يخالف السنة»( النهاية).

وكذلك لابن منظور كلام طيب في البدعة في الاصطلاح حيث قال - رحمه الله - «البِدْعةُ بدْعتان: بدعةُ هُدى، و بِدعة ضَلال، فما كان فـي خلاف ما أَمر الله به ورسوله، فهو فـي حَيِزّ الذّمِّ والإِنكار، وما كان واقعًا تـحت عُموم ما ندَب الله إِلـيه وحَضّ علـيه أَو رسولُه فهو فـي حيِّز الـمدح، وما لـم يكن له مِثال موجود كنَوْع من الـجُود والسّخاء وفِعْل الـمعروف فهو من الأَفعال الـمـحمودة.
ولا يجوز أَن يكون ذلك فـي خلاف ما ورد الشرع به؛ لأَن النبـي صلى الله عليه وسلم قد جعل له فـي ذلك ثوابًا فقال: مَن سنّ سُنّة حسَنة كان له أَجرُها وأَجرُ مَن عَمِلَ بها، وقال فـي ضدّه: مَن سَنَّ سُنّة سيئة كان علـيه وِزْرها ووِزْر مَن عَمِلَ بها، وذلك إِذا كان فـي خلاف ما أَمر الله به ورسوله، قال : ومن هذا النوع قول عمر رضى الله عنه : نعمتِ البِدْعةُ هذه، لـمّا كانت من أَفعال الـخير وداخـلة فـي حيّز الـمدح سَماها بدعة ومدَحَها؛ لأَنَّ النبـي صلى الله عليه وسلم ، لـم يَسُنَّها لهم، وإِنما صلاَّها لَـيالِـيَ ثم تركها ولـم يحافظ علـيها ولا جمع الناس لها، ولا كانت فـي زمن أَبـي بكر؛ وإِنما عمر رضى الله عنه جمع الناسَ علـيها وندَبهم إِلـيها فبهذا سماها بدعة، وهي علـى الـحقـيقة سنَّة لقوله: علـيكم بسنّتـي وسنة الـخُـلفاء الراشدين من بعدي، وقوله: اقْتَدُوا باللذين من بعدي: أَبـي بكر وعمر، وعلـى هذا التأْويل يُحمل الـحديث الآخَر: كلُّ مُـحْدَثةٍ بدعة، إِنما يريد ما خالَف أُصولَ الشريعة ولـم يوافق السنة»( لسان العرب).

كيف تعامل العلماء مع مفهوم البدعة :
وتعامل جمهور الأمة من العلماء المتبوعين مع البدعة على أنها أقسام كما ظهر ذلك في كلام الإمام الشافعي، ومن أتباعه العز بن عبد السلام، والنووي، وأبو شامة. ومن المالكية : القرافي، والزرقاني. ومن الحنفية : ابن عابدين. ومن الحنابلة : ابن الجوزي. ومن الظاهرية : ابن حزم. ويتمثل هذا الاتجاه في تعريف العز بن عبد السلام للبدعة وهو : أنها فعل ما لم يعهد في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهي منقسمة إلى بدعة واجبة ، وبدعة محرمة ، وبدعة مندوبة ، وبدعة مكروهة ، وبدعة مباحة(قواعد الأحكام في مصالح الآنام).
وضربوا لذلك أمثلة : فالبدعة الواجبة : كالاشتغال بعلم النحو الذي يفهم به كلام الله ورسوله، وذلك واجب؛ لأنه لا بد منه لحفظ الشريعة، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. والبدعة المحرمة من أمثلتها : مذهب القدرية، والجبرية، والمرجئة، والخوارج. والبدعة المندوبة: مثل إحداث المدارس، وبناء القناطر، ومنها صلاة التراويح جماعة في المسجد بإمام واحد. والبدعة المكروهة : مثل زخرفة المساجد، وتزويق المصاحف. والبدعة المباحة: مثل المصافحة عقب الصلوات، ومنها التوسع في اللذيذ من المآكل والمشارب والملابس. واستدلوا لرأيهم في تقسيم البدعة إلى الأحكام الخمسة بأدلة منها :

(أ) قول عمر رضى الله عنه في صلاة التراويح جماعة في المسجد في رمضان نعمت البدعة هذه. فقد روي عن عبد الرحمن بن عبد القاري أنه قال : خرجت مع عمر بن الخطاب رضى الله عنه ليلة في رمضان إلى المسجد، فإذا الناس أوزاع متفرقون، يصلي الرجل لنفسه، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط. فقال عمر : إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل، ثم عزم، فجمعهم على أبي بن كعب، ثم خرجت معه ليلة أخرى، والناس يصلون بصلاة قارئهم، قال عمر : نعم البدعة هذه، والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون. يريد آخر الليل. وكان الناس يقومون أوله. (أخرجه البخاري)
(ب) تسمية ابن عمر صلاة الضحى جماعة في المسجد بدعة، وهي من الأمور الحسنة. روي عن مجاهد قال : دخلت أنا وعروة بن الزبير المسجد، فإذا عبد الله بن عمر جالس إلى حجرة عائشة، وإذا ناس يصلون في المسجد صلاة الضحى ، فسألناه عن صلاتهم، فقال : بدعة» (أخرجه البخاري ، ومسلم).
(ج) الأحاديث التي تفيد انقسام البدعة إلى الحسنة والسيئة، ومنها ما روي مرفوعا : «من سن سنة حسنة، فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سن سنة سيئة ، فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة » (أخرجه مسلم).
ومما سبق يتضح أن هناك رؤيتين رؤية إجمالية: وهي التي ذهب إليها ابن رجب الحنبلي رضى الله عنه وغيره، وهو أن الأفعال التي يثاب المرء عليها ويشرع له فعلا لا تسمى بدعة شرعًا، وإن صدق عليها الاسم في اللغة، وهو يقصد أنها لا تسمى بدعة مذمومة شرعًا، والرؤية التفصيلية وهي ما ذكره العز بن عبد السلام رضى الله عنه وأوردناه تفصيلاً.
ما ذُكر ينبغي للمسلم أن يحيط به في قضية باتت من أهم القضايا التي تؤثر في الفكر الإسلامي، وكيفية تناوله للمسائل الفقهية، وكذلك نظره لإخوانه من المسلمين، حيث يقع الجاهل في الحكم على الآخرين بأنهم مبتدعين وفساق والعياذ بالله بسبب جهله بهذه المبادئ التي كانت واضحة، وأصبحت في هذه الأيام في غاية الغموض والاستغراب، نسأل الله السلامة، والله تعالى أعلى وأعلم


No comments: